مال وأعمال

بين إيران والدولار.. إلى أين تتجه ثقة العراقيين بمصارفهم؟

نشر
Camil Bou Rouphael
في حديث خاص لبلينكس، يصف الخبير الاقتصادي العراقي نبيل جبار العلي التميمي ثقة العراقيين بالمصارف بأنها ثقة ضعيفة أصلا، فيما تتحدث تقارير اقتصادية وصحف ووسائل إعلام عن مستويات متدنية جدا لا سابق لها لهذه الثقة، وسط مخاوف من هزة مالية عنيفة في أي وقت بسبب مشكلات شديدة التعقيد ومنع بنوك عراقية عدة من التعامل بالدولار.
وتشير هذه التقارير إلى أن كثيرا من رجال الأعمال والمواطنين يحجمون عن وضع أموالهم في المصارف، ويفضلون الاحتفاظ بمدخراتهم في البيوت أو نقلها إلى الخارج، في ظل تساؤلات عن أموال أو إجراءات إيرانية لتمويه حركة أموال طهران عبر الدورة المالية العراقية.
كما يصحح البنك المركزي العراقي قائمة "تجميد أموال الإرهابيين" بعد إدراج حزب الله والحوثيين عن طريق الخطأ، بينما تؤكد وسائل إعلام إيرانية أن الموارد المالية الإيرانية في البنوك العراقية آمنة رغم تفعيل آلية الزناد وإعادة العقوبات الأممية على إيران.

"الثقة ضعيفة تاريخيًا والمصارف هشة"

قال الخبير الاقتصادي العراقي، نبيل جبار العلي التميمي، في حديث لبلينكس إنّه لا يمكن الحديث عن انهيار في ثقة العراقيين بالمصارف بقدر ما هي "ثقة ضعيفة أصلا"، موضحا أنّ علاقة الأفراد العراقيين بالمصارف "تاريخيا علاقة محدودة".
وأشار إلى أنّ الثقافة المالية في العراق ما زالت تقليدية لدى أغلب الناس فيما يخص التعامل مع البنوك، إذ يفضّل كثيرون الاحتفاظ بمدخراتهم في بيوتهم، "كما يقال شعبيًا: تحت البلاط"، وهي الصورة الشائعة منذ سنوات طويلة، بينما يبقى استخدام المصارف ظاهرة جديدة نسبيًا في المجتمع العراقي.
وأضاف التميمي أنّ المصارف العراقية، منذ أكثر من ٥٠ عامًا، ومنذ التسعينات على وجه الخصوص، ظلّت "مصارف ضعيفة" من حيث البنية والخدمات، فهي "ليست لديها فروع كافية، ولا تقدم خدمات مصرفية واسعة، كما أن التعامل معها وفق القوانين كان وما زال صعبا، بل ازدادت صعوبته في الفترة الأخيرة".
لذلك، برأيه، لا يرى الفرد العراقي البسيط قيمة كبيرة للتعامل المصرفي بالنسبة إلى مدخراته، إذ إنّ "أجهزة السحب وأدوات التعامل المصرفي كافة تربك استخدام المواطن البسيط لأمواله، بدل أن تسهّلها".
ولفت الخبير الاقتصادي إلى أنّ الصورة تختلف عند الحديث عن رؤوس الأموال ورجال الأعمال، إذ يشعر العديد منهم بـ"نوع من التخوف" في التعامل مع بعض المصارف، خاصة الأهلية منها، بعد أن تسببت حوادث متكررة في إفلاس عدد من هذه البنوك وظهور مشكلات كبيرة مع المودعين.
وأوضح أنّ كثيرًا من المودعين "لم يكن بإمكانهم الوصول إلى أموالهم بسهولة، ولم تكن هناك ضمانات كافية لاستردادها"، لأنّ هذه المصارف "لم تكن محمية بما يكفي، ولم تكن خاضعة لرقابة مشددة تمنع أصحابها من استغلالها، سواء بعمليات نصب أو بحمايتهم من الخسائر الناتجة عن سوء الإدارة".

من تحت البلاط إلى الخارج.. مدخرات تهرب من البنوك

بحسب تقارير اقتصادية، بلغت ثقة العراقيين بالمصارف الحكومية والخاصة مستويات متدنية جدا لا سابق لها، بسبب تدني خدماتها وتشريعاتها، وبسبب منع بنوك عراقية عدة من التعامل بالدولار.
وتشير هذه التقارير إلى أن كثيرا من رجال الأعمال والمواطنين يحجمون عن وضع أموالهم في المصارف العراقية خوفا من انهيارات مصرفية من دون خطط فعالة لتسييل ثقة المودعين، فيحتفظ بعضهم بأموال ضخمة في البيوت أو ينقلها إلى مصارف خارجية.
وتضيف هذه المصادر أن أسئلة البنوك عن سبب ومصدر الإيداعات، وعما إذا كان لها دور أو صلة بأموال أو إجراءات إيرانية لتمويه حركة أموال طهران عبر الدورة المالية العراقية، تغذي مخاوف من أن تؤدي محاولات خنق إيران اقتصاديا في العراق إلى تداعيات مالية أكبر وأخطر، وإلى فقدان الاقتصاد العراقي سيولة مالية ضخمة كان من شأنها أن تحرّك عجلة الاقتصاد ضمن دورة مالية سليمة وقوية.
وتشير تقارير اقتصادية أخرى إلى أن خبراء يقترحون اندماجات مصرفية كبرى وتشريعات مؤقتة أكثر مرونة لجذب السيولة المكدسة في البيوت والخارج، وإعادتها إلى النظام المصرفي.

قوائم تجميد وأموال إيرانية.. ضغوط على بغداد

بحسب رويترز وفرانس برس، أعلن البنك المركزي العراقي حذف حزب الله اللبناني والحوثيين من قائمة "تجميد أموال الإرهابيين" التي نشرت في الجريدة الرسمية، مؤكدا أن ورود الاسمين جاء سهوا، وأن اللجنة المكلفة بذلك أدرجت عدة جماعات لا علاقة لها بالقائمة عن طريق الخطأ قبل الانتهاء من المراجعات النهائية.
وأوضحت الحكومة العراقية أنها وجهت بإجراء تحقيق عاجل لتحديد المسؤولية ومحاسبة المقصرين، مؤكدة أن المنشور الصادر في 17 نوفمبر يستهدف فقط الأفراد والكيانات المرتبطة بتنظيمي داعش والقاعدة، استجابة لطلب من ماليزيا وتماشيا مع قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1373.
وتذكر هذه التقارير أن الولايات المتحدة تحاول منذ فترة طويلة الحد من نفوذ إيران في العراق ودول أخرى في الشرق الأوسط حيث يوجد حلفاء لطهران، في حين تعتبر إيران جارها وحليفها العراق عنصرا حيويا من أجل استمرار صمود اقتصادها في ظل العقوبات.
وبالتوازي، تنقل وسائل إعلام إيرانية عن الأمين العام لغرفة التجارة المشتركة بين إيران والعراق، جهانبخش سنجابي شيرازي، تأكيده أن ما يُعرف بآلية الزناد لا يشكل تهديدًا عمليًا بل أداة حرب نفسية وإعلامية يشنها الغرب ضد إيران، وأن الموارد المالية الإيرانية في البنوك العراقية آمنة، مشيرة إلى أن العراق مدين لطهران بمبلغ يتراوح بين 9 و11 مليار دولار مقابل واردات الغاز والكهرباء.
وتفيد هذه الوسائل بأن روسيا والصين أعلنتا رفضهما الاعتراف بإعادة فرض العقوبات، فيما تنتقد وزارة الخارجية الإيرانية خطوة تركيا بإصدار مذكرة لتنفيذ بنود قرارات مجلس الأمن بعد تفعيل آلية الزناد لإعادة العقوبات الأممية على إيران، وتعتبرها غير ضرورية وغير قانونية.

اندماجات وتخفيف KYC.. وصفة لتدوير السيولة

أمّا عن فكرة اندماج المصارف الخاصة، فأشار التميمي إلى أنّها "فكرة تعود إلى المصرف المركزي العراقي" في إطار محاولة لتأهيل بعض هذه البنوك وتحسين أدائها، لافتًا إلى أنّ العديد من المصارف في العراق "يُدار أحيانًا كمحالّ بسيطة لا ترتقي إلى مستوى العمل المصرفي الحقيقي".
ويشرح أنّ واحدة من الأفكار المطروحة كانت "دمج مجموعة من المصارف تحت عنوان واحد"، على غرار ما حدث سابقًا في دمج الكثير من مكاتب الصيرفة وشركات الحوالة وتحويلها إلى مصارف.
لكنّه شدّد على أنّ هذه الفكرة، وإن كانت منطلقة من المصرف المركزي، فإنّ "الرأي الآخر والقرار الأخير يبقيان بيد ملاك وأصحاب هذه المصارف، ورغبتهم في الاندماج وتطوير عملهم إلى مستوى إدارة مصرفية متمكنة".
والهدف، بحسب قوله، هو الوصول إلى مصارف قادرة على تلبية المعايير الداخلية والخارجية، والولوج إلى النظام المصرفي العالمي، وأن تصبح "مصارف قادرة على تلبية التعاملات المصرفية داخل العراق وخارجه".
وفي ما يتعلق بسؤال تخفيف شروط التدقيق على مصادر الأموال لفترة انتقالية، رأى التميمي أنّ نظام الـKYC يُعدّ "واحدة من أهم القضايا المعرقلة" لعملية إيداع الأموال في النظام المصرفي العراقي، سواء على مستوى الأفراد أو التجار بمختلف فئاتهم، واصفًا هذا النظام بأنه "المعرقل الأساسي الأول لعملية وضع الأموال داخل المصارف".
وأوضح أن متطلبات بيان مصدر هذه الأموال تمثل عقبة كبيرة، لأن "العراقيين اليوم في غالبيتهم من دون وثائق تثبت مصادر أموالهم"، حتى عندما تكون المبالغ "بسيطة نسبيًا، تبدأ من حدود 10 ملايين دينار، أو ما يقارب 10 آلاف دولار فما فوق"، إذ يصبح إثبات مصدر هذه الأموال "مسألة شديدة الصعوبة" بالنسبة لكثير من المواطنين.
وانطلاقًا من ذلك، أكد التميمي أنّ الأمر "يحتاج إلى إيقاف هذه الشروط الصارمة للتدقيق على الأقل في فترة انتقالية"، مع العمل بالتوازي على وضع قوانين أو تشريعات "تتيح للناس الكشف عن مدخراتهم وأموالهم، وحتى مصادر هذه الأموال"، ثم بعد هذه المرحلة يمكن "إعادة تطبيق التدقيق وتطبيق نظام الـ بشكل كامل"، بما يتيح في الوقت نفسه معالجة قضايا غسل الأموال أو تمويل الإرهاب من دون استمرار خنق السيولة المحلية وتجميدها خارج النظام المصرفي.

حمل التطبيق

© 2025 blinx. جميع الحقوق محفوظة

© 2025 blinx. جميع الحقوق محفوظة