80 عاما على الأمم المتحدة.. هل يكتب ترامب نهايتها؟
طالب الرئيس الأميركي دونالد ترامب الأمم المتحدة بأن تفتح فورا تحقيقا في "عملية تخريب ثلاثية" يزعم أنّها استهدفته الثلاثاء في مقرّها في نيويورك حيث ألقى خطابا أمام الجمعية العامة للمنظمة الدولية.
وفي معرض وصفه للمشاكل الفنية التي واجهته بدءا بتوقّف السلم الكهربائي عن العمل عند وصوله إلى المقرّ، مرورا بتعطّل شاشة التلقين، ووصولا إلى خلل في نظام الصوت عند إلقائه خطابه، كتب الرئيس الأميركي في رسالة غاضبة طويلة على شبكته "تروث سوشال" للتواصل الاجتماعي إنّ ما جرى "لم يكن مصادفة".
وأضاف "لقد كانت عملية تخريب ثلاثية في الأمم المتحدة. عليهم أن يخجلوا. أرسل نسخة من هذه الرسالة إلى الأمين العام (للأمم المتحدة) وأطالب بتحقيق فوري".
وتابع الرئيس الأميركي رسالته: "ما حدث بالأمس في الأمم المتحدة هو وصمة عار، ليس حدثا واحدا، ولا اثنين، بل ثلاثة أحداث خبيثة".
والثلاثاء لم يتأخر ترامب في إبداء انزعاجه مما حصل معه، إذ اشتكى من على منبر الأمم المتحدة من هذه المشاكل التقنية، قبل أن يلقي خطابا بدا في الواقع أقرب إلى لائحة اتهام حقيقية ضد المنظمة الدولية، وقد شكّك خصوصا بالمخاطر المناخية وهاجم الهجرة ووجّه أيضا انتقادا شديد اللهجة إلى أوروبا.
تقويض لمنظومة الأمم المتحدة؟
وترى لوريل راب، مديرة برنامج الولايات المتحدة وأميركا الشمالية، بمعهد الشؤون الملكية البريطاني (معهد تشاتام هاوس)، أن إدارة الرئيس دونالد ترامب سعت خلال اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة هذا الأسبوع إلى تقويض، وإضعاف، عناصر لمنظومة الأمم المتحدة. والسؤال المطروح هو: هل ستريد أيضا إعادة بناء المنظومة؟
واجتمع القادة في نيويورك هذا الأسبوع للاحتفال بالذكرى الثمانين للأمم المتحدة. والموضوع الرئيسي للمناقشة خلال دورة الجمعية العامة للأمم المتحدة هذا العام هو " معا أفضل: 80 عاما وأكثر من أجل السلام، والتنمية وحقوق الإنسان"، سعيا لتأكيد القيمة الدائمة للتعاون.
عام مقلق على المنظمة الدولية؟
وتقول راب إنه مع ذلك، من الصعب هذه الأيام أن نجد أدلة مقنعة على ذلك، فقد كان عاما مقلقا للأمم المتحدة، وسط انقسامات بين القوى الكبرى، وشكوك متزايدة لدى المؤسسات، والمزيد من التأكيد على القضايا المحلية.
وكان هذا الاتجاه قويا بصفة خاصة في الولايات المتحدة، الدولة المضيفة للأمم المتحدة والممول الأكبر لها.
وعلى أي حال حضر مندوبون من الدول الأعضاء، وعددها 193 دولة، فعاليات الأمم المتحدة الرئيسية المتعلقة بالدولة الفلسطينية، والمناخ، وتمويل التنمية، وحوكمة الذكاء الاصطناعي، إلى جانب مجموعة من الاجتماعات الثنائية والفعاليات الجانبية.
جعل الأمم المتحدة عظيمة مرة أخرى
تضيف راب أنه منذ عودة إدارة ترامب إلى السلطة في يناير الماضي، بدأت تقويض الأمم المتحدة، فقد انسحبت (مرة أخرى) من مؤسسات كبرى تابعة للمنظمة، واستقطعت مبلغ مليار دولار من تمويلها لها وعزلت أكثر من ألف خبير أميركي عززت جهودهم مهام الأمم المتحدة.
ورغم ذلك، أعلنت الولايات المتحدة، على الأقل نظريا، عن رغبة في أن تظل منخرطة في الأمم المتحدة.
وفي مجلس الشيوخ هذا الصيف، أقر مندوب الولايات المتحدة الدائم لدى الأمم المتحدة مايكل والتز بقيمة المنظمة الدولية باعتبارها المكان الذي يستطيع أن "يتحدث فيه الجميع.. لحسم النزاعات".
وأوضح والتز رؤيته بأن تكون هناك أمم متحدة أكثر تركيزا وإصلاحا، أمم متحدة تركز على منع النزاعات وحسمها بأسلوب جديد لحفظ السلام، أمم متحدة توفر الشفافية في ميزانيتها، وتتصدى لمعاداة السامية وتتخلى عن "التسييس الراديكالي" للسياسة الداخلية الأميركية.
وتعهد والتز بأن تكون هناك قيادة أميركية قوية لمواجهة النفوذ الصيني في الأمم المتحدة، وأن يكون هناك صوت ثابت للولايات المتحدة في هيئات وضع المعايير التابعة للمنظمة في مجالات الطيران، والاتصالات، والملكية الفكرية.
واختتم تصريحه بالقول: "إنني واثق من أنه باستطاعتنا جعل الأمم المتحدة عظيمة مرة أخرى".
أضافت راب أن الولايات المتحدة سوف تمارس استراتيجيتها الخاصة بإضعاف الأمم المتحدة من خلال الاعتراض على عناصر من برنامجها، وتقديم أساليب بديلة لأعراف متفق عليها منذ أمد طويل.
وتردد أن هناك فعالية سوف تستضيفها الولايات المتحدة تهدف إلى تغيير شكل الممارسات المحيطة باللجوء والهجرة.
وقالت راب إنه ربما يتعلق أوضح مثال على هذه الاستراتيجية بمسألة قمة فلسطين، التي تهدف إلى تحقيق الدعم لقيام دولة فلسطينية.
ورغم إعلان المملكة المتحدة، وأستراليا، وكندا، والبرتغال اعترافهم بدولة فلسطين قبل انطلاق الجمعية العامة للأمم المتحدة، اتخذت الولايات المتحدة موقفا أبرزته وسائل الإعلام بعدم منح أكثر من 90 تأشيرة للوفد الفلسطيني.
وأكدت راب أن واشنطن تبدو غير واثقة مما إذا كانت تريد فقط إضعاف الأمم المتحدة، أم تريد اتباع أجندة استباقية من أجل "جعلها عظيمة مرة أخرى" من خلال إعادة إحياء مهمتها الرئيسية.
وتشير راب إلى أنه كما أن الولايات المتحدة غير متأكدة من موقفها تجاه الأمم المتحدة، ما يزال يتعين على المنظمة أن تستقر على استراتيجية قابلة للتطبيق تجاهها.
غوتيريش والصبر الاستراتيجي
وفي أثناء فترة رئاسة ترامب الأولى، سعى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش إلى الحيلولة دون حدوث انهيار أوسع نطاقا للمنظمة من خلال تعزيز علاقات شخصية مع ترامب وممارسة الصبر الاستراتيجي.
والآن يقوم غوتيريش بالترويج لمبادرته "الأمم المتحدة 80"، وهي سلسلة من الاصلاحات التدريجية لتبسيط مسار عمل الأمم المتحدة وتحسين فعالية التكلفة.
وأوضحت راب أنه قد لا يكون هناك قدر من الإصلاح يمكن أن تحققه الأمم المتحدة لإرضاء إدارة ترامب.
ومن المرجح أن تظل استقطاعات الولايات المتحدة بالنسبة لتمويل الأمم المتحدة حتى عام 2028، وربما لا تعتبر واشنطن الأمم المتحدة مطلقا مكانا بناء لتعزيز أولويات سياستها الخارجية.