رحلات ضائعة.. إشارات GPS بقبضة موسكو
تشهد دول عدّة في منطقة بحر البلطيق زيادة هائلة في التداخل والتشويش على إشارات نظام تحديد المواقع العالمي (GPS) الذي تتسبب به روسيا، مما يُشكّل خطراً مباشراً على سلامة الطيران والشحن.
فبين يناير وأبريل من هذا العام، تعرّض ربع الرحلات الجوية في منطقة شرق بحر البلطيق لاضطرابات في نظام GPS.
هذه التداخلات، التي تنبع من قواعد عسكرية روسية مثل كالينينغراد وسانت بطرسبرغ، تهدف لحماية المنشآت العسكرية ضدّ الطائرات من دون طيار الأوكرانية، لكنها تؤثّر سلباً على الملاحة المدنية.
لكن، رغم مهارة الطيارين في التعامل مع المشكلة، فإنّ اعتماد النقل الجوي والبحري على GPS يجعل استمرار هذه الممارسات خطراً كبيراً يتطلب تنسيقاً دولياً لمواجهته.
ومطلع يونيو، أثارت السويد و٥ دول أخرى مُطلّة على بحر البلطيق هي إستونيا وفنلندا ولاتفيا وليتوانيا وبولندا، هذه القضية مع مجلس منظمة الطيران المدني الدولي (إيكاو) الذي يضمّ روسيا أيضا.
ورغم هذه الضغوط، أعربت منظمة إيكاو عن أسفها لأنّ "التشويش ازداد" في المنطقة بدل أن يتراجع.
في مقال رأي لإليزابيث براو هي زميلة بارزة في المجلس الأطلسي، وكاتبة عمود منتظمة في بوليتيكو، تقول إن ما تقوم به موسكو هو مثال آخر على الاستهتار الصارخ بحياة البشر. "يعلم الكرملين أن الدول المتضررة لن ترضى أبدًا بفعل الشيء نفسه مع الطيران الروسي. ولكن، معًا، لا يزال بإمكاننا الحدّ من ضرر هذه الأساليب الخطيرة" تتحدى براو.
وتقول إنّ ثقتها بالطيارين الماهرين كانت كافية لسفرها وعودتها على متن طائرة متجهة إلى هلسنكي الشهر الماضي، رغم أن فنلندا واحدة من ٦ دول تشهد حاليًا زيادةً غير عادية في تداخل نظام تحديد المواقع العالمي (GPS).
تأثّر أكثر من 122 ألف رحلة
ووفقًا للتلفزيون الوطني السويدي، تأثرت 122,607 رحلات جوية في المجال الجوي السويدي والفنلندي والبولندي ودول البلطيق باضطرابات نظام تحديد المواقع العالمي (GPS) خلال الأشهر الـ٤ الأولى من عام 2025.
وفي أبريل، تأثّرت أكثر من 27% من جميع الرحلات الجوية، وفي بعض الأماكن، وصلت النسبة إلى 42%.
لم يكن الأمر كذلك من قبل. رغم أنّ معظم الدول تشهد تذبذبات عرضية في نظام تحديد المواقع العالمي (GPS)، إلّا أن الاضطرابات المستمرّة ليست جزءًا منتظمًا من الحياة اليومية في أي منطقة سلمية من العالم.
ولكن في مجال الطيران والشحن، كان عام 2023 آخر عام طبيعي إلى حدّ ما لمنطقة بحر البلطيق، على الأقلّ من حيث نظام تحديد المواقع العالمي (GPS)، تقول الكاتبة في مقالها في بوليتيكو.
في ذلك العام، تلقت وكالة النقل السويدية بلاغات عن 55 حادثة ناجمة عن تشويش نظام تحديد المواقع العالمي (GPS)، الذي يحجب إشارات تحديد المواقع المهمة، والتلاعب به، الذي يشوهها.
ومنذ ذلك الحين، ازداد التشويش بمعدل مذهل، ليصل إلى 495 حالة في عام 2024. وخلال الأشهر الـ٤ الأولى من هذا العام، تلقت وكالة النقل السويدية 733 بلاغًا عن حوادث في المجال الجوي السويدي.
بحسب زعم الكاتبة فإنّ السلطات السويدية تعرف مصدر الاضطرابات: فقد تتبعتها إلى أجهزة في كالينينغراد، وسانت بطرسبرغ، وسمولينسك، وروستوف. وتضمّ هذه المدن الـ٣ الأخيرة منشآت عسكرية، وكالينينغراد تُعتبر عمليًا مستودعًا للأسلحة.
هذا ويساعد تعطيل نظام تحديد المواقع العالمي (GPS) أو التلاعب به روسيا على حماية هذه المنشآت، ويفترض أنّها تحميها من الطائرات الأوكرانية المسيّرة. إلّا أنّ نطاق هذا التشويش والتلاعب هائل، ويشكّل مخاطر على الطيارين المدنيين، وطواقم شركات الطيران والشحن، والركاب، وأي شخص آخر يعتمد على نظام تحديد المواقع العالمي.
تقول براو إنّه كثيرًا ما يشكو المعلقون والجمهور من ضعف موقف القادة الأوروبيين، وعدم اتخاذهم أي إجراء أو إدراكهم للتهديدات التي تواجه بلدانهم، لكنهم يدركون ذلك.
توضح "إنّهم يدركون التهديدات التي تشكلها الجيوش الأجنبية، بالإضافة إلى العدوان غير العسكري مثل تشويش نظام تحديد المواقع العالمي (GPS)، وعملاء العمليات الخاصة، وأسطول الظلّ، وتسليح الهجرة، وغيرها الكثير".
وتضيف أنّ الأوروبيين يدركون أن تدخل روسيا في نظام تحديد المواقع العالمي (GPS) يشكّل خطرًا مباشرًا وغير ضروري على الطيران والشحن في جميع أنحاء أوروبا، وليس فقط على منطقة بحر البلطيق، إذ يمكن لأجهزة التشويش أن تصل إلى أعماق القارة.
أكثر من حادثة تشويش تطال مسؤولين رفيعين
ففي 24 سبتمبر، تعرضت طائرة وزيرة الدفاع الإسبانية لمحاولة تشويش على إشارة نظام تحديد المواقع العالمي (جي بي إس) أثناء مرورها قرب جيب كالينينغراد الروسي المحاط بدول في الاتحاد الأوروبي، حسب ما أفاد مصدر في وزارة الدفاع الإسبانية.
وقال المصدر لفرانس برس "جرت محاولة للتشويش على إشارة نظام تحديد المواقع العالمي (جي بي إس)"، مضيفا أنّ الطائرة التي كانت تقل مارغريتا روبليس مزودة بنظام مشفّر، وتاليا لم "يؤثر" هذا التشويش على رحلتها إلى ليتوانيا.
واستبعد المصدر أن تكون طائرة روبليس هي الهدف المباشر، مشيرا إلى أنّ "هناك إمكانا لرصد أي محاولة لاختراق نظام الطائرة"، وأنّ "حالات التشويش على هذا المسار، بما في ذلك الرحلات التجارية، تُعدّ أمرا شائعا" في هذه المنطقة القريبة من بحر البلطيق.
وقالت الوزيرة عقب وصولها خلال مؤتمر صحافي مشترك مع نظيرتها الليتوانية "لكلّ شخص الحق في الطيران والتنقل داخل الأراضي الأوروبية من دون أن يتعرض لما شهدناه هذا الصباح من تشويش، من جهة نعرفها جيدا".
من جهتها، قالت نظيرتها الليتوانية، دوفيليه شاكاليينيه، إنّ "الحادث يعكس عدم احترام روسيا للقوانين وتجاهلها للأضرار التي تسببها"، مشيرة إلى أنّ "الطائرات المدنية تواجه باستمرار مشكلات مماثلة في المنطقة".
وكالينينغراد جيب روسي يقع بين ليتوانيا وبولندا، داخل الاتحاد الأوروبي.
وفي بداية سبتمبر، تعرّضت طائرة رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لايين للتشويش على نظام تحديد المواقع العالمي (جي بي إس) في بلغاريا.
ويُشتبه في وقوف روسيا وراء هذا الحادث وفقا لمتحدث باسم لايين، لكن بلغاريا سارعت إلى الإعلان أنها لن تفتح تحقيقا في هذا الأمر الشائع أيضا في هذا الجزء من أوروبا الشرقية.